Home»Islam»حديث رمضان : الحلقة الثانية : (( أياما معدودات ))

حديث رمضان : الحلقة الثانية : (( أياما معدودات ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث رمضان : الحلقة الثانية  :  (( أياما معدودات ))

محمد شركي

قد يتبادر إلى أذهان بعض المؤمنين سؤال : لماذا افترض الله سبحانه وتعالى عبادة الصوم محددة في أيام معدودات  ولم يجعلها أياما كثيرات مع في  كثرتها من مزيد أجر وثواب ؟ والجواب هو أن الله تعالى قد رفع الحرج  في عبادته عن عباده المؤمنين رحمة  ولطفا بهم ، لأنه  لا طاقة لهم بكثرة أيام هذه العبادة ،وإن أرادوا أو رغبوا في ذلك، والشاهد هو ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلب منه رجل أن يعلمه عملا يعدل الجهاد في سبيل الله، فأجابه عليه السلام :  » لا أجده ، فقال : هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخلا مسجدا فتقومَ لا تفتر ، وتصومَ لا تفطر ؟  قال : لا أستطيع ، قال أبو هريرة راوي هذا الحديث :  » إن فرس المجاهد يستّن في طوله فيكتب له حسنات  » .  ففي هذا الحديث الشريف ما يؤكد عجز الإنسان المؤمن عن عبادة الصيام والقيام المرافق لها زمنا طويلا أو مستمرا دون أن يفتر عن القيام ، ودون أن يفطر عن صيام  ، وفيه  أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد لهذا السائل عملا يعدل الجهاد في سبيل الله إلا أن يستطيع القيام بما أمره من دوام الصيام والقيام دون فتور ما دام المجاهد في جهاده ، والله أعلم كم قد يدوم جهاده ،فربما دام سنين عددا  والرجل في قيام وصيام متواصلين . وقد أشار أبو هريرة رضي الله عنه إلى كثرة حسنات المجاهد ، ذلك أنه يحصّل منها حتى  في الحال التي تكون عليه فرسه  مرحة جيئة وذهابا، وهي مربوطة .

ومع أن هذا الحديث الشريف يستشهد به لبيان فضل الجهاد على غيره من الأعمال الصالحة  ، فإن له صلة بعبادة الصيام إمساكا وقياما ،والتي حدد الله تعالى وقتها في أيام معدودات مراعاة لطاقة عباده المؤمنين الذين لا يكلفهم إلا ما في وسعهم  . ولما كان المؤمن لا يقدر على مواصلتها وقتا طويلا يقضيه المجاهد  في جهاده  كما جاء في الحديث الشريف  ، فإنه  يفهم  أيضا من ذلك أن عبادة الصيام بقيامها لا يستهان بها،  إلا أن الله تعالى قد جعلها عبادة خاصة به أوعبادة له ،بينما  جعل الطاعات الأخرى لأصحابها  كما جاء في الحديث القدسي :  » كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي ، وأنا أجزي به ….  » الحديث ، كما أنه  خصص لها من الأجر الشيء الكثير، نذكر من ذلك أجر ليلة القدر التي يفوق أجر إحيائها  قياما أجر عبادة ألف شهر .وحسب من يصوم ويقوم رمضان  إيمانا واحتسابا أن الله عز وجل يغفر له ما تقدم من ذنبه كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «  من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه  » .

وباعتبار الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، لو افترضنا جدلا أن إنسانا ما  استطاع المداومة على صيامه وقيامه  قدر ما يقضيه من وقت مجاهد بجهاده  في سبيل الله  ـ وهو قطعا غير ممكن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ  فإنه يكون حينئذ قد قام بما يعدل الجهاد ، وفي هذه الحالة يكون فعل الجهاد كفعل الصيام والقيام ، لكن الله تعالى رفع من قدر الجهاد، لأنه لولاه لما كانت كلمته هي العليا ، ولما ظهر دينه على الدين كله ، ولما استقام الناس على صراطه المستقيم بما في ذلك صيامهم وقيامهم ، وباقي ما تعبدهم به خالقهم سبحانه وتعالى من عبادات ومعاملات .

وخلاصة القول أنه من رحمة الله عز وجل بعباده المؤمنين، أنه تعبدهم بعبادة الصوم في أيام معدودة ، وما شق عليهم في ذلك، لأنه سبحانه وتعالى أعلم بهم ، و ا يكلف نفسا إلا وسعها ، ولا يحاسب عباده إلا بما أقدرهم عليه ، ولا عذر لهم عنده إن قصروا عن القيام بما في وسعهم واستطاعتهم .

ولا يفوتنا أن ننبه إلى الذين تضيع منهم فرصة الأيام المعدودات ، وما ذكرها الله تعالى بعد ذكر افتراض الصوم مباشرة  إلا لتنبيه عباده إلى ضرورة حسن استغلالها الاستغلال الأمثل ،فضلا عن تنبيههم إلى تضييعها في الانشغال عما تعبدهم به  فيها أو إتيان ما أمرهم به على غير الوجه المطلوب ، الشيء الذي يفسدها ، ويحرمهم نوال أجرها وثوابها، وعلى رأسه التخلص مما تقدم من ذنوبهم تلك التي تكون بينهم و بينه سبحانه وتعالى ، أما التي تكون ما بينهم ، فإنها لا تغفر إلا بالتحلل منها ، وذلك برد المظالم المادية والمعنوية.

ولن تفوتنا الفرصة أيضا أن نذكر بأعمال هي  مصاحبة لعبادة الصيام حث عليها الله تعالى ، و رغب فيها رسوله صلى الله عليه وسلم  حيث كان يقوم بها ، ومنها الإنفاق في سبيل الله ، وقد يكون هذا الإنفاق  من صميم عبادة الجهاد التي أثنى بها  الله عز وجل على عباده المجاهدين مصداقا لقوله تعالى : (( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم في سبيل الله … )) الآية .

وإننا ونحن نعيش ظرف جهاد إخواننا  المرابطين والمجاهدين في أرض فلسطين ليجب علينا أن نسعى بدورنا لمشاركتهم في هذه الفريضة إن لم يتأت ذلك بالأنفس، فليكن بالأموال ، وبهذا نجمع في هذا الشهر الفضيل بين طاعة الصيام  والقيام ، و بين طاعة الجهاد بالمال ، وبهذا نستطيع أن نلحق بدرجة المجاهدين إن شاء الله تعالى مصداقا لقوله عز من قائل  : (( فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما )) ، ولنحرص كل الحرص  على أن نكون ونحن عن بعد  من المجاهدين لا من القاعدين ، وأن نبذل كل ما في الوسع  والجهد من أجل المشاركة في هذه الفريضة  الدينية التي تعبدنا بها الله عز وجل ،ومن بذل الوسع والجهد أن نبحث جادين عن سبل إيصال الدعم المادي للمجاهدين بأنفسهم ، وأجر الدال عليها  هو كأجر الداعم  لهم ، وألا نقصر في ذلك بتقديم أعذار لا تبرأ بها ذممنا عند الله عز وجل ، وهو أعلم بنا،  والموفق إلى ذلك من وفقه الله تعالى ، وهو ولي التوفيق .

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *