Home»International»حوار مع عبد الله العروي – الجزء الأول

حوار مع عبد الله العروي – الجزء الأول

0
Shares
PinterestGoogle+

 أجـراه: عبد اللَّـه سـاعـف/ لمجلة آفاق

آفاق: الأستاذ عبد اللَّه العروي، أول شيء يثير اهتمام القارئ لكم، هو تنوع حقول المعرفة والإبداع التي تشتغلون بها وتنتجون في سياقها.

كيف تعيشون تجربة التعدد المعرفي هاته في ذاتكم؟ وأين تجدون ذاتكم بشكل أقوى وأكثر حميمية وتوافقاً مع ما هو من خصائص أناكم الشخصية؟

عبد اللَّه العروي: أنا أقول إني أمارس القصة أو الرواية من جهة ومن جهة ثانية نقد المفاهيم. ننطلق من واقع بدون تحديد أو تعريف، وإلاّ طال بنا الكلام، أسميه أحياناً موصوفاً. هذا الموصوف أتناوله من زاويتين: الأولى هي الوصف الأدبي والثانية هي التحليل. نترك مؤقتاً الجانب الأدبي ونتطرق للتحليل.
بمجرد ما نحاول تحليل الموصوف (مشكل العنونة في كتابي الأخير حول مفهوم التاريخ) نواجه مشكلة المفاهيم المستعملة. يسوقنا منطق البحث إلى سبر المفاهيم ذاتها قبل التعرض لنتائج استعمالها. من الإيديولوجيا العربية المعاصرة إلى مفهوم التاريخ، وأنا أقوم بهذا التوضيح المفهومي، تفكيك الآليات المعرفية التي يمكن استخدامها في ما بعد للعرض والتقرير. فأنا أقوم بعمل تمهيدي ضروري، لا يمكن الفهم والتفاهم بدونه. والكتابة التاريخية هي، في مرحلة لاحقة، توظيف المفاهيم المذكورة بعد تحليلها وتوضيحها لفهم الواقع، الواقع الاجتماعي الذي هو في الحقيقة واقع تاريخي، خاصة في مجتمع تقليدي كالمجتمع المغربي حيث الماضي حاضر في قلب الحاضر القائم. لذلك يتداخل البحث التاريخي والتحليل السياسي والاجتماعي والتوضيح الإيديولوجي. منذ ثلاثين سنة وأنا أحاول أن أُفْهِمَ القارئ العربي أن الإيديولوجيا كمضمون ليست هي الإيديولوجيا كمادّة بحثية. الأولى مضمون يعرض ويقرر، أما الثانية فهي بحث ونقاش وجدل. وإلى الآن ما زال البعض يرفض هذا الفرق ويناقش كلامي على أساس أنه مجرد إيديولوجيا لا تختلف عن تلك التي آخذها مادة لبحثي. ونصل حسب هذا المنطق إلى موقف عجيب حقاً. إذا قلت سأصف طيور المغرب، يُقال: هذه دعوة إيديولوجية لأن قائلها يتكلم عن الطيور تحاشياً للكلام عن بني آدم. في هذه الحال يمتنع الحوار الهادف.

الإيديولوجيا بالمعنى الأصلي، اللغوي، هي البحث في منشأ الأفكار، وهذا ما أقوم به. هذا لا يمنعني من التعبير عن رغائب خاصة بي، وحينذاك أعبر عن إيديولوجيا بالمعنى الأول، ولكني أميز باستمرار بين الموقفين. أما من يرفض التمييز فقد يُقال له إن كلامه أيضاً إيديولوجيا، وكلام الغير عليه إيديولوجيا أيضاً، إلى ما لا نهاية.

آفاق: صحيح، ومع ذلك فمن الضروري أيضاً أن نقيم فرقاً بين «الغربة» أو «الفريق» من جانب، وبين «جذور الوطنية المغربية» من جانب ثانٍ وبين «مفهوم التاريخ» أو «الإيديولوجيا العربية المعاصرة» أو «مفهوم الإيديولوجيا» أو «مفهوم الحرية» من جانب ثالث.

عبد اللَّه العروي: أقتصر على ما هو مهم. في أعمالي النقدية أحاول أن أكون متجرداً غير منتم لبلد أو لثقافة أو لعقيدة معينة. أذهب إلى حدّ أن أريد أن يكون كلامي وكأنه صادر عن شخص أجنبي تماماً على هذه المشاغل. لكني أعلم أن هذا موقف نظري فقط، مفترض إن لم نقل مفتعلاً. أعلم أنني بوقوفي هذا الموقف أسهو عن جانب من ذاتي فأعود لأصفه بوسيلة أخرى، بأسلوب متميّز، خاص به، هو الأسلوب الأدبي. إذا لجأت إلى التعبير الأدبي، وبلغة الأمّ، فلأنه الأسلوب الوحيد الملائم للقصد. يُخطئ من يظن أن المادة واحدة، وأن ما يوجد في الأعمال الأدبية يوجد في الأعمال التحليلية.

ومن هنا جاءت الثنائية شعيب/إدريس. طبعاً شعيب هو النبي العربي، وهو أبو شعيب السارية (جاءت كلمة السارية في الغربة ولم ينتبه إلى الإشارة النُقاد)، الولي الصالح، وهو كذلك القسم الأصيل من الوجدان.. وكذلك إدريس هو النبي العربي أيضاً، وهو الوعي المتفتح للدراسة الدائمة المتواصلة. والحوار مستمر بين شعيب وإدريس دون أن يتغلب أحدهما على الآخر. لو لم أفتح المجال لشعيب ليقول كل ما يريد بكامل الحرية، لما شعرت بالطمأنينة، إذا كانت هناك طمأنينة. أريد أن يستوفي التقليد كل خطوظ الدفاع عن ذاته ولا أريد أن أنزعه نزعاً من نفسي، لأن ذلك يكون بتراً لا مبرر له في ميدان التعبير الأدبي، وإن كان مرغوباً فيه أو مفروضاً في مستوى الاختيار السياسي والاجتماعي. بقدر ما أصل عادة إلى نقطة الحسم في ميدان النقد والتحليل بقدر ما أترك الأمور معلقة في الميدان الإبداعي. لأن هذا هو المطلوب.

آفاق: لكن إدريس مات، أما شعيب فلا يزال رهين محبسه، أو رهين قيود مجتمع ملفاته تظل دائماً مفتوحة؟

عبد اللَّه العروي: إدريس مات بالفعل، ولكن موضوع أوراق هو البحث عن مغزى موته.

مات إدريس لأنه لم يستطع أن يفصل. بمعنى آخر إن موت إدريس عبارة عن عدم الاطمئنان في نفس صاحب إدريس. نستطيع أن لا نحسم ما دمنا في ميدان الأدب والفن، والشعر، لأننا وحدنا في الميدان، لا أحد ينازعنا في مدارنا اللغوي والأدبي، ولكن لا بدّ من الحسم اجتماعياً وسياسياً وفكرياً. هذه عقدة نفسانية، تميّز كل مثقف عربي واعٍ بذاته وبحاله، وهذه عقدة قاتلة بكل معنى الكلمة. وهذا ما يشير إليه مآل إدريس. قيل مراراً الكلمة سلاح وهو كلام فارغ. الكلمة لذة، خمر وجذب…

آفاق: هذا التجاذب بين «إدريس» و «شعيب» نجد صورة أخرى له في الفريق بين «سرحان» وبين «الشيخ العوني» وفي «أوراق»، أجده في مستوى آخر بين السارد وبين شعيب وهما يرتبان أوراق إدريس.

عبد اللَّه العروي: ألاحظ بالمناسبة أن النص الذي كتب عنه القليل هو الفريق، مع أنه الألصق بالوضع الاجتماعي والسياسي بالمغرب. يفضل النقاد استخلاص آرائي بكيفية تعسفية من الأعمال الإيديولوجية عوضاً من الاعتماد على التعبير المباشر الموجود في الفريق.

آفاق: لكن رواية الفريق تدرس في السلك الثالث بكلية الآداب، وأنجزت حولها بحوث ورسائل جامعية؟

عبد اللَّه العروي: المهم هو أني حاولت أن أقوم في كل قصة أو رواية بتجربة خاصة بشكل محدد من أشكال السرد، يمثّل الفريق اللحظة الواقعية بكل معاني الكلمة وضمنها الواقعية اللغوية. وربما لهذا السبب بالذات غضب الكثيرون لأنهم رأوا في الرواية دفاعاً عن اللغة المحكية، مع أن اللهجة المعتمدة ليست لغة الشارع; حاولت أن أتعالى عن الشخصية، عن سرحان، والعوني، وأن يكون للجميع حضور مستقل بارز، معبّر عن وضعية المغرب.

آفاق: وماذا عن الصورة الثالثة عن التجاذب بين المؤلف وشعيب بالنسبة لأوراق؟

عبد اللَّه العروي: كاتبني أستاذ في شأن ترجمة أوراق إلى الإنجليزية فدفعني هذا إلى التفكير في ترجمتها إلى الفرنسية وشرعت في العمل ثم ندمت، لأنني اكتشفت أنه لا بدّ لي من إعادة صياغتها كليةً، وأن مجرد الترجمة غير ممكن بالنسبة إليّ. اكتشفت أن الإيحاءات الموجودة في العربية، والتي تنعدم عند الترجمة، هي الدافع الأصلي، والمحرك الوجداني، لكتابتها بالعربية. عند محاولة الترجمة فهمت موت إدريس فهماً جديداً، وهو أنه استهدف ما هو محظور في ثقافته الأصلية التي لا يريد أن ينفصل عنها بمحض إرادته. عندما فهم إدريس أنه أقدم على جعل الفن أعلى قيمة لديه، وأنه اختار ذلك عن طواعية، أدرك في الوقت نفسه أنه لا يستطيع أن يواصل ممارسته الفنية داخل ثقافته الأصلية. والخروج عن الثقافة الأصلية يعني الموت بالضبط. يُطرح هنا سؤال أساسي، له عواقب وذيول. السؤال هو الآتي: هل الأشكال الفنية التي ظهرت في عالمنا ـ لا أحدد معنى عالمنا ـ هل هي فنية حقاً؟ أم هل هي وسائل خطابية في خدمة هدف أسمى من الفن؟. ألا يعني ذلك أن الفنان، إذا وعى وضعيته في مجتمعنا، حكم على نفسه بالاندثار؟. لم تتضح لي هذه الفكرة عند تأليف أوراق، بل عندما أعدت قراءة النص محاولاً نقله إلى لغة أخرى.

آفاق: لكن في الفصل الأخير من أوراق تبدو هذه الفكرة بشكل منهجي في عدد من المواقف.

عبد اللَّه العروي: ترى هكذا أن الكاتب يصبح بعد حين كسائر القُرَّاء. يحتاج هو نفسه إلى تأويل ما كتب. المهم هو أن التساؤل عما يميّز التجربة الفنية للثقافة التقليدية، ثقافة إدريس وشعيب الأصلية، أمر وارد. لقد صدرت عدة كتب مؤخراً عن فنون الإسلام، خاصة في الأراضي غير العربية. ينبهر من يتصفحها، مسلماً كان أو غير مسلم، إلى حدّ أننا نستطيع أن نقول إن الفاعلية الفنية الإسلامية هي أهم جزء من التراث الإسلامي، تفوق بهاء ونضجاً وتكاملاً الفاعليات الأخرى، السياسية مثلاً أو الأدبية. ألا تكون عظمة الإسلام كقوة حضارية وكإبداع ثقافي، في إنتاجه الفني من معمار وخط وزخرفة وتزويق إلخ؟ فكيف حصل هذا الإنجاز مع التناقض الأساس الذي ذكرناه سابقاً؟ هذا سؤال، أطرحه الآن، تعقيباً على النقاش الحاصل بين شعيب وصديقه حول أوراق إدريس.

آفاق: قبل أن نغيّر اتجاه هذا الحوار، نرى أنكم في الروايات تلحون على تجربة الشعور، تجربة الإنسان، ما دامت الأفكار يمكن التعبير عنها في قالب آخر غير أدبي، أقول بالرغم من هذا، فالقارئ لرواياتكم يحس بفكرة تكاد تكون حاضرة في كل الأعمال، ألا وهي فكرة حالة الإخفاق ووضع الشعور بالعجز، تارة عن الفهم، وتارة عن تحقيق الرغبة وتارة أخرى عن التفسير، إيحاءات هذه الفكرة كبيرة ومتنوعة جداً. لكن ما أود مناقشته هو أصل هذه الفكرة نفسه، فكرة الإخفاق؟

عبد اللَّه العروي: أشاطرك هذا الانطباع عندما أعيد قراءة ما كتبت. ومع ذلك ما يهم في الأعمال السردية ليس فكرة الإخفاق (فكرة التخلف في الأعمال التاريخية النقدية) ولكن الاستلذاذ بشعور الإخفاق. هذا أمر واضح في أوراق، وحتى في الغربة، عندما تكلمت على ما يسميه بعض رجال الكنيسة الكاثوليكية La dإlectation morose ويعتبرونه من المحرّمات.

المنطلق هو بالطبع ما نلاحظه يومياً في مجتمعنا من مظاهر التخلّف. التجربة الأولى التي تلاحقنا باستمرار، هي تجربة الفوات والضياع. يفتح أحدنا فاه ليقول جملة، يأخذ قلماً ليحررها، فإذا به يردد، بغير وعي منه أحياناً، ما قيل مراراً في مواقع بعيدة عنه، يظن أنه يبدع، فإذا به يقلّد رغماً عنه، والتفكير في هذه التجربة المرَّة هو الذي أدّى بي إلى مفهوم التاريخ. ما هو القديم؟ ما هو الحديث؟ كيف نوفِّق بينهما؟. مشاكل خاصة بنا، تلح علينا اليوم، يجب أن نقول فيها ما نراه، الواقع أنها واجهت شعوباً كثيرة في القارات الأخرى، وقالوا فيها ما قالوا وربما قالوا كل ما يمكن أن يُقال. هناك إذن وحدة غير بادية للعيان وهي بالضبط معنى التاريخ، والتاريخ لا يعني سوى تلك الحركة الدائمة الدالة على التماهي والتوحيد. إذا أدركت هذه الحقيقة تحررت من القيود، وإذا لم تدركها بقيت مكبّلاً مقيّداً، تتألم وتشتكي بدون فائدة.

كتب عزيز العظمة يقول إنني أتكلم عن سقْف، يحدّ من إمكاناتنا الإبداعية، بدون موجب، وإن موقفي يدل على خضوع للتاريخانية، لا للتاريخ، أتمنى أنه يعيد النظر في ما كتبت، خاصة بعد التوضيحات التي جاءت في مفهوم التاريخ. ولكن كيف يمكن القول إني أتكلم على سقف غير موجود، مع أن تجربة كل فرد تؤكد وجوده يومياً. هذا طبيب مغربي يفحص مريضاً ويشير عليه بدواء، فإذا بالمريض يخرج من عنده ويفكر، إذا كان غنياً، للذهاب إلى فرنسا للعلاج، ظناً منه أن الطبيب الفرنسي لا بدّ أن يكون أبرع من زميله المغربي. هذه تجربة السقف، لكن الفلاسفة عندنا يتعاملون دائماً مع النصوص، لا مع التجارب التي كانت أساس النصوص، رغم كلامهم على الممارسة الماركسية وعلى الفينومنولوجيا.

أكبر تجربة مرَّة هي تلك التي يشعر بها الأديب عندما يظن أنه يبدع في نطاقه الضيق في حين أنه يقلد، عن وعي أو غير وعي، إذا قيس عمله بالأعمال العالمية. عندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، ماذا قال عنه ناشره الفرنسي، هو فلوبير الآداب العربية! في الحقيقة هو أشبه بزولا، ولكن المهم هو أن ناشره نفسه يقدمه كمقلّد، لا كمبدع.

هذا الواقع المرّ، هو الذي أخذته كمادة سردية. هو ما عبَّرت عنه بمشكلة الموضوع، وقد نعود إليها في ما بعد.

آفاق: هناك انطباع لدى القارئ المغربي والعربي أن رواياتك قلما تستطيع أن تجتذب إليها المتلقي ليواصل القراءة أو إعادتها. ترى هل السبب يعود إلى القارئ، أم هل يعود إلى ما أسميه عادة في مجال الكتابة الإبداعية أحياناً بحضور قدر من الجدية وقدر من الرصانة يفتقد فيها المؤلف إلى السخرية وإلى الدعابة والضحك، بالمعنى الذي تهتم به الشعرية الاجتماعية لدى باختين أو لدى غيره. فكيف تنظرون أنتم إلى هذا الوضع تجاه القارئ؟

عبد اللَّه العروي: قال بعض النقاد إن من الروائيين من يكتب للقُرّاء، ومنهم من يكتب للروائيين أنفسهم، إذا قرأني النقاد والقصاصون، فهذا يجزيني، بيد أنني لا أتصور كيف يعجز القارئ، أي قارئ، عن إتمام قراءة اليتيم، على قصرها وبيانها؟

آفاق: اليتيم هي الوضع الاستثنائي بالنسبة للروايات الثلاث، لكن قصدي أن عنايتكم باللغة وعنايتكم بالشخصية تفوق عنايتكم بطرائق أخرى أو مستويات أخرى في التأليف لخلق علاقات مع القارئ من قبيل السخرية مثلاً.

عبد اللَّه العروي: في رواية الفريق قدر غير قليل من السخرية.

نستطيع أن نتكلم هنا في مسألة الموضوع، لأنني طرحتها في الفريق، ثمّ عدت إليها في أوراق. فصلت بين الموصوف وبين الموضوع. أنت تتكلم الآن على الموصوف، هو المقطّع في كتاباتي، وتجري عليه عملية تركيب، عملية تجعل من الموصوف موضوعاً. لكي يكون الموصوف متصلاً، لا فجوة فيه ولا انقطاع، بحيث يقرأ القارئ بعينه وليس بذهنه، فلا بدّ من انسجام سابق في المجتمع، هو الذي يستوحي منه الكاتب تلك السماكة التي نستلذ بها عند قراءة كبار كتاب القرن الماضي. إذا لم يكن المجتمع منسجماً، كما هو الحال في المغرب، لا في المظهر ولا في العقلية، ولا في التعبير ولا في الشعور، كيف تعطى صورة التكامل والانسجام لمجتمع يفتقد كل هذا؟. فالانسجام الملاحظ عند بعض كتابنا هو خادع، مستوحى إما من انسجام اللغة الفصحى المنفصلة عن الواقع، وإما من الموروث القصصي، أي أسلوب ألف ليلة وليلة، وإما من الرواية الواقعية الأوروبية. عندئذ تكون الرواية العربية نسخاً لرواية أجنبية، هذه عملية يقوم بها كثير من الكُتّاب المصريين. لكنها تستلزم قدراً من الجهل أو من التجاهل والتناسي. إذا كان الكاتب مطلعاً، أميناً، عارفاً بقواعد السرد، فإنه يعي باستمرار هذا الوضع، فهو مضطر إلى تقطيع المادة الموصوفة وإعادة تركيبها. بعبارة أخرى إنه ينفي باستمرار ما يكتب لكي ينفي عنه الاستشهاد والاستظهار.

لا زلنا إذن نبحث عن موضوع خاص بنا. وهذا أمر طبيعي إلى حدّ، إذا عرفنا أن الأمريكان رغم إنجازاتهم العظيمة، لا يزالون يشعرون أنهم لم يستقلوا بعد الاستقلال التام الضروري عن المثل الأوروبي، وأنهم لم يعطوا بعد الرواية التي تكون في مستوى القارة الأمريكية.

آفاق: ومع ذلك نلمس في رواية الفريق كما لو أن الإرادة هي الموضوع الأمريكي المميّز. هذه الإرادة تظهر في الأفلام وفي الإبداع وفي العلاقة بالغير عموماً.

عبد اللَّه العروي: صحيح إلى حدّ كبير. الطابع المميّز للآداب الأمريكية، للقصة الأمريكية بخاصة، هي إهمال ما يعرف عندنا بالقسمة والمكتوب، الإنسان الفرد هو محور الكون. السؤال مطروح بالنسبة لنا العرب: ما هو موضوعنا؟

آفاق: ألا تكون حالة الإخفاق التي توجد وراء الظل في ما يكتب إبداعاً، هي المنبع الممكن لموضوع الإبداع مغربياً وعربياً في اللحظة الراهنة؟

عبد اللَّه العروي: قد يكون. الحديث عن الآداب متشعب وممتع. وهو الذي تطمئن إليه نفسي. فلا أنفصل عنه إلاّ مرغماً.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *