Home»International»تبت يدا من كتب

تبت يدا من كتب

0
Shares
PinterestGoogle+

عجبت من زمن الناس هذا الذي خف فيه القلم على كل بنان،وهانت الكتابة على كل إنسان،وجرت الكلمة على كل لسان، وأضحى كل من يحمل ورقة ويراعا يكتب ما شاء أن يكتب، دون رادع من دين ، أو مانع من خلق ،أو زاجر من خلق ، أو صاد من حياء، ولا حرج في أن يذيع ذلك في الناس وأن ينشره على  أبصارهم وعقولهم في الكتب والجرائد والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية وغيرها من وسائل النشر والتذييع.

وفي كل يوم أهرع فيه إلى قراءة بعض ما  يكتب و ينشر ، أجد نفسي في خضم من ضلالات الرأي المدلس ، وضلالات العلم المكذوب، وضلالات السياسة الخداعة ، وضلالات الخبر المزين ، وضلالات التقرير المشوه ، حتى يخيل إلي أن الأرض من حولي تعج بترتيل مظلم مخبول ، وأن السماء من فوقي تهتف بتسبيح كالح مزور. وكأني بهؤلاء القوم  الذين يكتبون نسوا أن القلم أمانة قسم به الله تعالى في كتابه العزيز لا يؤخذ إلا بحقه ، و أن الكلمة عهد ومسؤولية عليها من الله رقيب عتيد ،وأنهم لم يسمعوا وصية الشاعر العربي الحكيم قديما لما قال :

فلا تكتب بكفك غير شيء        

يسرك في القيامة أن تراه.

وإذا ما أرسلت النظر لأتبين  بعض هؤلاء الذين يكتبون وينشرون وجدت أخلاطا من الناس، وأشتاتا من الآدميين ، يردون من مشارب مختلفة ، لا يجمعهم وصف ، ولا يضبطهم وزن ، ولا يحضنهم مذهب ،ولا تتفق لهم غاية. إذ منهم من لا يبالي في ما أسال مداد قلمه ، ويكتب كل ما سبق إلى لسانه وخطر على باله ،غير محقق نصر حق ولا انكار باطل ، ومنهم الذي يكتب ليدافع عما يعتقد في نفسه أنه الحق و لا يهمه طلب الحقيقة التي تسلم بها العقول السليمة والفطر النقية ، وقليل منهم من يضع ما يكتبه في موضعه ، فيفيد علما، أو يحقق خبرا، وهذا أعز من الكبريت الأحمر.

أما لغتهم التي يعبرون بها عن أفكارهم ، و أما أسلوبهم الذي يعالجون  به خلجات نفوسهم ، فمما تتبرأ منه لغتنا العربية الجميلة الشريفة ،ومما ينكره أهل الفصاحة والبيان من هذه الأمة المجيدة .

  فلقد صغرت أقدار هؤلاء القوم بكتاباتهم ، وسفلت نفوسهم بأفكارهم ،في الوقت الذي كانوا يحسبون أنهم سيرتفعون في أعين الناس ويشرفون ، وكيف يرتفع ويشرف من لا يرمي بكتاباته إلا لأغراض خسيسة خبيثة ،لو كشف بعضها للناس لعلم الناس كيف تستتر دواب وأنعام بمسلاخ إنسان لتمكر في الأرض وتعيث الفساد ، وذاك حال الأراذل الصغار من قديم الزمان  ، ورحم الله من قال :

صغار الناس أكثرهم فسادا

وليس لهم لصالحة نهوض

ألم تر في سباع الطير سرا

تسالمنا ويؤذينا البعوض

فتبت يدا كل من كتب ليفسد دينا ، أو ينصر باطلا ،أو يشيع منكرا ، أو يزور حقا ، أو ينصر ظالما ، أو يؤذي مؤمنا بغير حق.

وتب لسان كل من كذب.

ولله در من قال :

فلا تغررك ألسنة موال      

تقلبهن أفئدة أعادي

ومعنى تب : خاب وخسر والتباب الخسار والهلاك قال تعالى : »وما كيد فرعون إلا في تباب ».

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *