Home»Enseignement»دفاعا عن المصطلح التشكيلي في المدرسة الابتدائية

دفاعا عن المصطلح التشكيلي في المدرسة الابتدائية

0
Shares
PinterestGoogle+

دفاعا عن المصطلح التشكيلي في المدرسة الابتدائية
العملية التعليمية التعلمية قبل أن تكون فعلا تطبيقيا، يمارسه الممارس البيداغوجي في القسم مع مجموعة من المتعلمين والمتعلمات، قصد إحداث تغيير في شخصياتهم، بما فيها من أبعاد سيكولوجية واجتماعية وفكرية ومهارية وقيمية وثقافية؛ وقبل أن تكون فعلا اجتماعيا يسعى إلى تطوير وتقدم المجتمع وتنميته بشريا وحضاريا، فهي عملية معقلنة ومخطط لها بحكمة ورزانة بما تعني كل من الحكمة والرزانة العلمية والخبرة بالمجال التربوي والتعلمي، حتى لا يكون للهدر سبيلا إلى الأداء أو على أكثر احتمال تكون نسبه ضعيفة جدا، وفي حدود معقولة ضمن إطار أن الفعل الإنساني لابد له من هامش في الخطأ، مسموح به. لكن أن يكون الهدر بنسب تتجاوز المعقول والمسموح، فذلك غير مبرر على الإطلاق مهما حاول الإنسان تبريره! وغير مقبول من المختص الخبير بمجال التعليم، لأن عائد ذلك الهدر قد يكون هادما للفعل التعليمي التعلمي من أساسه. وهنا يجب التنبه إلى تجليات الهدر أسبابا ونتائج وتوقعها عند التخطيط قبل التنفيذ حتى نعيد قراءة المشهد التعليمي المتوقع قراءة تصحح مكامن الهدر من الأساس؛ وهنا يكون المنهج التجريبي ناجعا في الوقوف على الهدر ومعالجة الأخطاء أثناء التخطيط والبرمجة وقبل أن يعمم. ولا ضير أن يكون لدينا جهاز سمع ورؤيا قويا وحساسا جدا لما يمكن أن يكون جادا في طرحه التصحيحي، دون إسقاط النوايا والأحكام المسبقة على كل نقد، من منظور الضد لا الند، ومن منظور سوء النية قبل حسنها؛ لأن العملية التعليمية التعلمية معني بها المجتمع برمته لا مؤسسة دون أخرى، أو فرد دون آخر.
ومن أسباب الهدر التعليمي التعلمي نجد ما يدخل في بناء المتن التعليمي المدرس في القسم من خلال الكتب المدرسية، ذلك؛ أن هذا المتن في كثير منه يحمل أسباب نسف الدرس من الداخل. ونحن هنا لا نسوق كلاما عاما، ولا نستهدف أحدا وإنما نسوق كلاما علميا قائما على الواقع والوقائع الميدانية، ويبحث في خبايا المتن قصد نقدها وتصحيحها بما يصحح مسار الأداء التعليمي، عبر تصحيح المتن التعليمي للتقليص من الهدر التعليمي التعلمي. ومن جملة تلك الأسباب نجد إشكالية تحديد المصطلحات بما هي مداخل هي مداخل للمعرفية العلمية للمتن التعليمي وجزء من المعرفة العلمية لأنها مكون من مكونات العلم، من حيث أن كل علم له جهاز مفاهيمه ومصطلحاته التي يقوم عليها ويوظفها في خطابه وبناءاته النظرية والتطبيقية فضلا عن كون تحديد المصطلحات يحيل على أبعاد حسية وسيكولوجية ومعرفية وصورية وتاريخية وارتباطات متنوعة بين مجموع ما يكون المصطلح من ألفاظ ودلالات وتصورات وأدوات، مما يشكل للمتعلم رجعا إلى المعرفة السابقة المتراكمة لاستنبات أو تطوير المصطلح أو توظيفه في إنجازاته التعلمية على الوجه السليم. وهذه الإشكالية تكاد تكون عامة في جميع المواد المدرسة بالتعليم الابتدائي؛ وسنحسس بها هنا في التربية التشكيلية. حيث نلمس بوضوح انعكاس غياب تحديد المصطلحات في هذه المادة على تعليم وتعلم الدرس التشكيلي، وذلك ضمن عدة ضغوطات واقعية مأزومة لهذه الإشكالية منها:
1 ـ عدم وجود الطاقم التدريسي المتخصص في التربية التشكيلية، والذي يزيد الإشكالية تأزما وعمقا واتساعا. ففي هذا الغياب لا تستطيع أغلبية هيئة التدريس الوقوف عند المصطلحات وتحديدها بكل دقة ضمن إطار التربية التشكيلية، بل في أغلب الأداءات الصفية تحمل في أحسن أحوالها المفهوم العام اللغوي، بمعنى تخرج من المعجم الحلقي أو القطاعي المتخصص والخاص بالتربية التشكيلية لتلتحق بالمعجم العام، رغم ما يوجد من حمولة دلالية تقاطعية بينهما. إلا أن السمات المميزة القطاعية تنتفي عن المصطلح، وهذا شيء خطير على الإمساك بعلمية المادة. والخروج بها عن القواعد العلمية والتقنية الضابطة لها، مما ينعكس على تعليمها وتعلمها، ويصبحا هواية لا دراية! ومن هنا يأتي فشل درس التربية التشكيلية في المؤسسة التعليمية الابتدائية، حيث وقفت داخل المقاطعة التربوية التي أشرف عليها على اختلال كبير في أداء الدرس التشكيلي عند مجموعة من المدرسين. والذين لهم عذرهم في ذلك. فقد قمت بمتابعة تقديم درس المتوازيات الهاربة، حيث كان التقديم مشوشا لدى الأستاذ وبالتالي لم يستوعبه المتعلم. ذلك أني سألت هيأة التدريس بالمستوى الخامس ابتدائي عن حد مصطلح " المتوازيات الهاربة " فلم يستطيعوا تحديده بطريقة علمية ودقيقة من خلال هذا الدرس، ثم مكنتهم من لوحات فنية قصد تحديد المتوازيات الهاربة، لكن مع الأسف الشديد لم يستطيعوا ذلك، فرجعت إلى الكتاب المقرر عليهم ـ كتاب المدرس ـ لأبحث فيه عن تحديد المصطلح فلم أجد تحديدا. وهذا غير مقبول من متخصصين ومختصين في المادة التشكيلية؛ تصدوا إلى التأليف المدرسي، ففاتهم تحديد المصطلحات رغم علمهم أنهم يألفون لهيأة قليل منها هو المتخصص والمختص في التربية التشكيلية، مما جعل الكتاب[1] المدرسي مغلقا على الأستاذ والمتعلم على حد سواء فضلا عن المفتش التربوي الذي أدعوه إلى تكوين ثقافة تشكيلية إن أراد مراقبة وتأطير هذه المادة بالمدرسة الابتدائية من منطلق العلمية والضبط الفني للمادة.
ونتيجة لعدم تخصص هيئة التدريس في هذه المادة العلمية، يجب تحديد المصطلحات وجوب الركن لا الشرء حتى يتمكن الأستاذ من الدرس، فيقدمه على وجهه الصحيح، وعليه فالوزارة مطالبة بمراجعة الكتب المقررة في التربية التشكيلية، بما يصحح الاختلالات التي تمس المتن التعليمي التشكيلي.
2 ـ خلو أكثر الكتب المقررة في التربية التشكيلية من استنتاجات تهم مستخلصات الدروس، بما يضع حدودا علمية للمصطلحات المغلقة، يزيد الدروس تعقيدا، فمثلا؛ المتعلم يقوم بمجموع الأنشطة وينهيها وهو لا يعرف شيئا عما قام به، فحين سألت بعض التلاميذ عن المتوازيات الهاربة وماذا تعني بالنسبة لهم وما دورها في تشكيل المجسمات؛ لم يستطع التلاميذ الإجابة، ولا تحديد المفاهيم التي اشتغلوا بها، مما عمق جهلهم بالمادة التشكيلية ولم يمكنهم من كفاياتها المعرفية والمهارية والجمالية، ونحن مع الأسف نعتقد أننا أدينا درسا تشكيليا ناجحا! في حين الواقع عكس ذلك.وعليه لا نرى مصوغا بيداغوجيا أو ديداكتيكيا يمنع دون استخلاص استنتاجات مفاهيمية في الكتب التشكيلية المقررة لمساعدة المتعلم على تمثل المادة والإمساك بها. فهذه الاستنتاجات هي الأبجديات العلمية للمادة التي تمكن المتعلم من معرفة عمق المادة العلمي والقيمي والمهاري والجمالي والاجتماعي والثقافي، من منطلق العلمية لا من منطلق العفوية والتكرار الاعتباطي والتقليد الأعمى، مما يعبر عنه في الفن التشكيلي بالفن الساذج، الذي يمارس على الفطرة دون العلم بالمبادئ والأسس العلمية للفن التشكيلي، وبالمناسبة، فالمتوازيات الهاربة تدخل في علم المنظور من الفن التشكيلي وهو علم واسع. والغريب أنه في بعض الكتب المقررة توجد لوحات من المدرسة الساذجة في الفن التشكيلي بنى بها المؤلفون هذا الدرس الذي يعتمد على مبادئ المنظور والهندسة؟! وأهل الاختصاص يعلمون أن هذا التيار من الفن التشكيلي لا ينضبط إلى قواعد علم المنظور، فكيف سيتعلم المتعلم هذا المفهوم أو يرسم متوازيات هاربة أو مجسمات مضبوطة قياسا ومنظورا؟! والأغرب كيف صادقت لجن التقويم والمصادقة على الكتب، وهي من المفترض أنها من أهل الاختصاص على مثل هذه الكتب وهذه الفداحة العلمية؟! ألا يشكل هذا فتح باب التأليف على من فقه وتخصص في ذلك وعلى غيره ممن هب ودب، وقال أنا من المؤلفين؟! وبالتالي أينضبط تأليفنا المدرسي على الأقل إلى بنود دفتر التحملات؟! أما انضباطه لمعطيات نظرية المنهاج، فالأسئلة تطول.
3 ـ عدم وجود قاعات " مراسم " خاصة بمادة التربية التشكيلية بالمؤسسات التعليمية الابتدائية، مما يعني عند العديد من المتدخلين التربويين، أن هذه المادة يمكن ممارسته بأقل تكلفة وبأقل علمية، وبأقل جهد، بل يحيلها إلى المواد الثانوية. في حين تعد أهم مدخل للتذوق الجمالي والتهذيب النفسي للإنسان فضلا عن كونها متحفا تأريخيا للذاكرة الإنسانية باللون والريشة، وحافظا للتراث بكل تلاوينه ومعطياته.
وغياب المراسم عن المؤسسات التعليمية، كثيرا ما يجر غياب الوسائل والمواد المطلوبة في إنجاز دروس هذه المادة العلمية. وبالتالي لا يهم فيها تحديد المصطلحات أو غير ذلك مادام التصور في حقها مشوها من البداية ومعوقا من الانطلاقة؟!
وفي حوار مع ثلة من هيأة التدريس ومجموعات من التلاميذ من التلاميذ ـ المستوى الخامس ـ حول أهمية المادة في المدرسة الابتدائية، تبين أنها فائض عن الحاجة، ولا تشكل من اهتماماتهم الشيء الكثير. وإنما حصص للترفيه عن النفس وحصص للخربشات و" التزويق " والتلوين؟! ولا يمكن لمادة دراسية هذه رؤية الآخر إليها أن يستقيم تدريسها على المنهج العلمي! ولا أن تجد مساحة من التفكير فيها!
4 ـ اختلالات في منهجية بناء الدروس التشكيلية، حيث تتخذ في أغلب الكتب نفس الخطوات والإجراءات دون التمييز بين متن تعليمي وآخر، مما يفرز إشكالات المقاربة للمتن التعليمي في التربية التشكيلية. فهذه المادة تتطلب تنوعا في المقاربة المنهجية من مفهوم لآخر ومن معلومات لأخرى، ومن معطيات لأخرى.
فالمقاربة المنهجية الوحيدة تقيد الاجتهاد وتحاصر الأداء، خاصة إذا كانت مدعومة بمجموعة من التوجيهات والنصائح الرسمية المركزية أو الجهوية أو الإقليمية من هذا أو ذاك. فمساحة التحرك تضيق والأخطاء تمرر دون أن نعلم بها، وفي الأخير نقول بأن المتعلم لم يستطع أن يقوم بإنجاز كذا أو كذا، وقد يتهم هنا المتعلم أو الأستاذ أو المفتش التربوي رغما على أن الخطأ مدسوس في الخفاء. ونحن لا ندري به إلا لماما، وتستمر الأمور هكذا حتى نصل إلى النتائج السلبية؛ حينها نضع الأسئلة، التي قد نجيب عنها أو لا نجيب. وقد يتحامل عليك البعض بدعوى قدسية وكمال ما أنجز وما قدم، على أساس أنه أفضل ما في السوق، وهي قدسية تسقط أمام الضبط العلمي ومعايير الجودة، ومبادئ النظرية النقدية التشكيلية.
إن تحديد المصطلحات التشكيلية ضمن منهجية متحركة وشروط أدائية مناسبة، وثقافة أبجدية في التربية التشكيلية، تساهم في تقليص الضغط على الأداء الصفي لهذه المادة في المدرسة الابتدائية، وينأى بها عن الفطرة والسذاجة والعشوائية والتخبء ويعقلنها بما يحيلها على العلم والمعرفة الدقيقة وفق أصول الفن التشكيلي بعيدا عن الخربشة. ويموضع المادة في مكانها المناسب داخل البرنامج الدراسي، بما يتطلب من جدية في التعاطي والتدريس والتعلم والتقويم والتأطير. وإلا ففي غياب ذلك، كل أطفالنا فنانون بالفطرة، وكل إنجازاتهم أعمال فنية بالمفهوم الواسع للفن غير المنضبط لأصوله كما هو تأليفنا المدرسي. ولا حاجة لنا بالفطرة إلى قوانين ومفاهيم ومصطلحات تشكيلية ونظريات علمية. فالخربشة و " التزويق " والتلوين يجمعنا صغارا وكبارا، إناثا وذكورا، مختصين ومتخصصين أو غير ذلك. فالعلم في هذه الحالة خلا تراكم فطرة وعادة لا تراكم نظريات …
وأمام هذه الإشكالية أزعم أن البحث العلمي الجاد والنقد البناء كفيل بمقاربتها ووضع حلول لأسبابها، حتى نرتقي بدرس التربية التشكيلية إلى العلمية بما فيها من رواية ودراية. وإلا فإن أي توجس من البحث العلمي والنقد البناء سيوطن الاختلالات ويعمق أزمة الدرس التشكيلي في المدرسة الابتدائية. وبالتالي يبقى خطاب أزمة التعليم وأزمة خطاب التعليم قائمين رغم عشرية الإصلاح، والأمل يبقى معلقا بين تصحيحهما في ظل المقدم حاليا أفضل مما كان وليس مما كائن، والنتيجة قادمة بمرور الأيام …

عبد العزيز قريش

مفتش تربوي بنيابة تاونات
في: 28/9/2006


[1] احتفظت باسم الكتاب حتى أنشر نتائج الدراسة التي أنجزها في هذه الإشكالية، وهي دراسة ميدانية. لكن من أراد أن أزوده باسم الكتاب والكتب التي أقوم بدراستها يمكنه مراسلتي، وأنا أرسل له المطلوب.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

4 Comments

  1. زائر من أهل الدار
    07/10/2006 at 00:17

    نشكر إثارةةهذه الإشكالية التي تعبر عن عمق في النقد البناء، وعن كفاءة في رصد الاختلالات الموضوعية والمنهجية في التربية التشكيلية، وبما أني من أهل الدار؛ فإني أعاني الكثير في تقديم الدرس التشكيلي؛ مما يطلب مراجعة جادة في مستوى الكتاب المدرسي وفي مستوى شروط وظروف أداء هذا الدرس في المدرسة الابتدائية.

  2. محمد نبيل
    07/10/2006 at 22:31

    الواقع نجد فعلا صعوبة في تدريس بعض المواد لعدم تمكننا من ثقافتها ومفاهيمها لأننا غير مختصين فيها. ولهذا نطالب الوزارة بمراجعة الكتب المقررة الجديدة. فلا يعقل أن تحتفظ مثلا: بكتابي في اللغة العربية للسنة الأولى ابتدائي وهو غير مشكول. فهذا يصر بالمتعلم أكثر من أن ينفعه. فنتمنى على أستاذنا الكريم أن ينشر دراسته في جريدة وجدة سيتي في أقرب وقت حتى يظهر الأخطاء الموجودة في كتب التربية التشكيلية. مع التحية والتقديرللأستاذ عبد العزيز قريش.

  3. كوثرالفاسىا
    11/04/2007 at 21:45

    اشكر جميع الاساتذة الذين يبدلون جهودهم فى تدريس هذه المادة الصعبة لكي يرسلون لنامفهومها الحقيقي رغم صعوبتها وبالرغم من انها ليست المادة التى يدرسونها ولهذا اطاب بان يحضروا لنا اساتدة مختصون فى تدريس هذه المادة وتعيينهم فى جميع المؤسسات الابتدائية وشكرا واتمنى ان تعملوا بهذا الطلب ا

  4. كريمة شهيد
    27/01/2015 at 13:44

    لدي بحث تدخلي في مادة التربية التشكيلية ومازلت أبحث عن مراجع المرجو المساعدة أو نشر البريد الإلكتروني للأستاذ عبد العزيز قريش للتواصل معه في نفس الموضوع وطلب معلومات وشكرا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *