Home»National»مـعـالـم صــوفـيــة بفـجـيــج : قصـر أولاد سليمـان نموذجا الحلقة الثالثة

مـعـالـم صــوفـيــة بفـجـيــج : قصـر أولاد سليمـان نموذجا الحلقة الثالثة

0
Shares
PinterestGoogle+

مـعـالـم صــوفـيــة بفـجـيــج :

قصـر أولاد سليمـان نموذجا
الحلقة الثالثة

* محمد بن محمد بن الشيخ بن يحيى بن أحمد بن علي بن أبي بكر الودرني : درقاوي بامتياز ، أخذ مباشرة عن مؤسس الطريقة ، كان بقيد الحياة عام 1239 هـ .. وقد أثر عنه أنه كان يلهج باستمرار ببعض ابتهالات المتصوفة وينسخها ، من قبيل :  » إلهي ، ما أقربك مني ، وأبعدني عنك ! وما أرأفك بي ! فما الذي يحجبني عنك ؟ .. إلهي ، كلما أخرسني لؤمي أنطقني كرمك .. وكلما أيأستني أوصافي أطمعتْني مننُك .. إلهي ، ما ألطفك بي مع عظيم جهلي ! وما أرحمك بي مع قبيح فعلي ! .. عميتْ عيْن لا تراك عليها رقيبا ، وخسرتْ صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا … إلخ

ونختم هذه النبذة التي لا نعتبرها سوى بذْرة تتطلب من يتعهدها بالسقي والرعاية لتنمو وتكبر ، وتصبح موضوعا كشجرة ظليلة ، نختمها بدرقاوي آخر ، نرجح أنه التقى بالسابقين في حضرة الشيخ الدرقاوي ، وربما في عرصات القرويين بفاس .. لكنه لم يعدْ كما فعل أولئك إلى فجيج ، بل طاب له المقام بفاس ، فاستقر بها بقية حياته ، وصار له بها أهل وأصحاب ، ومعجبون ومحبون احتفظوا لنا بذكره ونسبه في تراجم متشابهة .. وقدموه لنا تحت هذا الاسم :

– أبو عبد الله محمد بن الحاج محمد بن يعقوب ( بالقاف المعقودة ) بن القاسم السليماني الفجيجي .. انتقل إلى فاس ، وتلقى العلم على يد غير واحد من الأساتيذ والشيوخ كما جاء في سلوة الأنفاس # .. بيْد أن نزوعه إلى المجاهدات الروحية ، وتعقبه لأساليب تزكية النفوس وسلامة القلوب رمت به إلى حضرة العربي الدرقاوي ، فلازمه وصافاه حتى غدا من أخص أصحابه ، وأقربهم منزلة إليه#

حلاّه الكتاني في سلوة الأنفاس بالشريف الفاضل ، العارف الكامل ، وضرب إلى أنه كان يخبر بالاجتماع بالمصطفى صلى الله عليه وسلم يقظة ومناما ، ويشير كثيرا إلى ما أنعم الله به عليْه من ذلك ، ويتحدث به # ..

ولم يقف اهتمام أبي عبد الله السليماني عند غشيان حلقات العلم ، ومجالس التصوف فحسب ، وإنما كان شديد الحرص على ربط علاقات بأعلام الفكر والتصوف الذين كانت تعج بهم زاوية شيخه .. كما سعى جاهدا في نشر طريقته .. ولم يفته في خضمّ ذلك أن يجعل من آكد واجباته وأوراده خدمة شيخه في زاويته ، وبيته ، فكان يقوم ببعض شؤونه ، ويرعى وده وبرّه .. ومن أمارات تعلقه اللامحدود بالطريقة أنه دأب على بعث الهمة في نفوس المريدين ، وإحياء نفوسهم بما كان ينسخه من مصنفات كبار المتصوفة واشعارهم ، من نماذجها التي وصلتنا عينية الشيخ عبد الكريم الجيلي المتوفى عام 832 هـ ، نسخها في شهر رمضان الأبرك بدار شيخه العامرة ، وأولها : ( بحر الطويل )

سأُنشـي روايـات إلى الحتق أسنـدت        وأضــرب أمـثــالا لما أنـا واضــع#

    ولعل أهم ما يميز هذا العلم الشامخ عمن تقدمه من متصوفة أولاد سليمان دخوله معترك التأليف الطرقي المحض ، عبر مؤلفات تتناغم ومشربه .. لكنه للأسف الشديد لم يصلنا منها إلا إشارات عابرة أو عناوين يتيمة لا تتعدى عنوانيْن ، هما :

    1/ مرتع القلوب من حضرة علاّم الغيوب :

وهو عبارة عن إخبارات بما منّ الله عليه من مشاهدات في اليقظة أو المرائي المنامية .. وقد اطلع على هذا التاليف صاحب السلوة ، ونقل منه إحدى مشاهداته ، نوردها للاستئناس ، والتأكيد على اتجاهه :  » شاهدته عليه السلام ، وهو يبكي ، ويمرّغ وجهه في التراب ، ثم يقول : يا حسرتى على أمتي ، ثلاث مرات .. جهلوا مولاهم ، وتركوا سنتي ، واتبعوا أهواءهم ، وإذا جاءهم أحد يذكر الله ويوحّده ويعظّمه يستهزئون به .. وهو يقول : أمّتي ، ثلاثا ، يا من كان بعباده رؤوفا رحيما .. « #

    2/ المواهب اللدنية في العلوم الغيبية من حضرة الألوهية :

ذكره  في المصدر السابق .. وربما دار موضوعه كما يتجلى من حرفية عنوانه حول المكاشفات التي يغلب عليها الرمز ، والتي لا تُقرأ إلا بعين القلب ـ كما يزعم المتصوفة ـ وقد تكون تلك المواهب نوعا آخر أو حتى تتمة للمشاهدات التي يحتضنها كتابه الأول .

    والمؤلّفان معا مفقودان ، مما  فوّت علينا فرصة التعرف إلى بعض الجوانب من مسيرته العلمية ، وحياته الصوفية بصفة خاصة ..

    أصيب أبو عبد الله السليماني في بصره ، فاحتسب ، وصبر وشكر ، وبقي على حاله من الزهد والعبادة والتقلل من الدنيا ، حتى أدركه الموت بفاس بين العشاءيْن من يوم الاثنين سابع عشر ذي القعدةعام 1264 هـ .. ودفن بروضة أبي محمد عبد السلام بن أحمد جسوس ، أحد العلماء البارزين في النحو والفقه واللغة والحديث والتفسير والأصول والبيان وعلم الكلام # ..

وقد بني على روضته قوس حسبما ذكر الكتاني في سلوته # .. وموقع هذه الروضة قرب سيدي أبي غالب # رحمهم الله أجمعين ..

    وبالنظر فيما سبق نستطيع أن نقول : إن قصر أولاد سليمان عرف نشاطا صوفيا مبكرا مقارنة بعدد من القصور الأخرى ، وأن شريحة واسعة من تركيبته البشرية ذاقت نفحات المجاهدات الروحية ، تحت نظر شيوخ ورعين عارفين ، وفق ما تقدمه الشواهد والبراهين التي استشرناها .. ولا تزال ثمة ـ كما قلنا في المدخل ـ وثائق ومخطوطات تعيش بين ظهرانيْ أهلنا كما يعيش الدر في الأصداف البحرية ، بإمكانها لو تم استثمارها بشكل صحيح أن تحدد لنا معالم التصوف الفجيجي ، وتلقي المزيد من الأضواء على تاريخه الذي لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه لحد الآن ، رغم ما يشاع من أن الواحة كانت تتنفس هواء صوفيا منذ عهود قديمة ، وأنها كانت مرتعا لكل ما يظهر من طرق صوفية .. ولعل هذا ما سنكشفه فيما يستقبل من الزمان ..

( يتبع )

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *